الأحد، 3 يناير 2021

أهرب منك إليك ... للكاتبة الأردنية فرح أبو حليلو

اهربُ منكَ اليك 

فرح شريف ابو حليلو

وقفتُ على حروفِ تلّةٍ من كلماتِنا المتراكمةِ عبرَ حواراتِنا الطويلة، وخيالاتِنا التي نحتْنا أحداثَها معًا، وقفتُ على حوافِّ ضحكاتكِ العفويّة، مُتَّكئًا على ابتساماتكِ الخجولة، والتي لفرطِ عذوبتِها، لا يتسنّى لامرأةٍ غيركِ أَنْ تتقنَ رسمَهَا، حتى لو استعارت لأجلِها حواسَّ النساءِ جميعها.

فخرجتِ إليّ وَقْتَذاكَ خروجَ القمرِ مشبوبًا من سحابةٍ كانتْ تُغَطِّيه، بوجهٍ فاتنٍ موشّى بنورِ الغواية، وعينينِ لامعتينِ لا تزالُ في مآقيها آثارُ الدّمع، وهي تكابدُ الشوقَ، تغلبُهُ تارةً ويهزمُها تاراتٍ أُخرى.

وقَدْ سِرْتُ إليكِ أنهبُ الأرضَ بخطواتٍ واسعة، أجوبُ قفارَ الدنيا، أتوهُ في شرايينِ المدينةِ، ودروبِ عروقها، لا أَلْوي علىٰ شيءٍ، ووجدْتُني أَفِرُّ إليكِ كلّما حاولتُ الفرارَ منكِ، سُدًى تذهبُ محاولاتي للإفلاتِ منكِ، وعبثًا أُحاولُ الانسحابَ من دائرتِكِ والتحرُّرَ منكِ.

أسعى خلفَ هتافٍ صَدَحَتْ به حبالُ صوتِكِ المعلَّقة ما بينَ وتيني وقلبكِ.

وقد ساغتْ مني حروفُكِ مساغَ الماءِ العذبِ في الحلقِ الظامئِ، وهي تأتيني على همسِها وإذلاقِها بصوتٍ منخفضٍ يُشَنِّفُ أُذُني، على نقيضِ ما سمعتُه من بعضهن من عُلوِّ الصوتِ وجهرِه، فمتى امتطى صوتُ المرأةِ صهوةَ الجهرِ في طبقاته، كان لذلك ثلمٌ في أنوثتها.

المطرُ يتساقطُ سخيًّا في الخارج، يطرقُ بابَ نافذتي، ويحملُ البردَ بينَ أكفِّه، وأنا لا آبَهُ به، وقد مسّني منكِ دفئانِ؛ دفءٌ حَمَلَتْهُ أنفاسُكِ الهادئة، وآخرُ يتسللُ إليّ عبرَ خيطٍ من نورٍ مفتولٍ بأشعةِ شمسِ الشتاءِ الدافئة، وأنا أتأملُ عينيكِ في غفوها الأخيرِ وأهدابُها تعانقُ نفسَهَا ببطء.

وقد لمستُ فيكِ حينَها جمالَ الأنثى الخفي، ذاك الجمالُ الذي يتصوَّرُهُ الخاطرُ بما ينشغلُ به البالُ، فيرتسمُ على مزاجِ ذائقتي، فحروفُكِ تَشي الكثيرَ عنكِ، بدءًا من دفءِ مشاعرِك، مرورًا برهافةِ حسّكِ، وانتهاءً بنعومةِ كُلِّ ما فيكِ.

تَغُطِّينَ أنتِ بنومكِ يا عزيزتي في كُلِّ ليلةٍ، وأنا أظلُّ بعدَكِ أُخاتِلُ الرواياتِ المنسيّةَ والقصائدَ اليتيمةَ، لعلِّي أغفو لحظةً على وقعِ خيالٍ لمستْ فيه أطرافُ أناملكِ دروبَ وجهي، فيستحيلُ الخيالُ واقعًا، كأنَّها بالفعلِ مرّتْ من هنا عبرَ تلكَ التقاسيمِ والتفاصيل، فتنتشي الروحُ سعادةً تُغْلِقُ بها بعضَ مساماتِ الشغفِ الذي أقام رَحْلَهُ في خلايايَ، يقولونُ الخيال أكذوبة، وأنا أسميه حياةً أخرى نسرقُها مما سَلَبَتْهُ مِنَّا الحياةُ.

فرح شريف ابو حليلو
الاردن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق