الاثنين، 8 فبراير 2021

روزان حجواني تكتب ...زمن الوأد، قتلوكِ يا صبا

زمن الوأد ؛ قتلوكِ يا صِبا.
حفرتُ حفرةً في أرضي،وزرعتُ فيها حلمي،وانتظرته ليكبر..
ما كنتُ أعرفُ أني صنعتُ قبراً بيداي،وعندما مرتِ السنين ؛ ولم يزهرْ..
قررتُ أن أبثَّ للكون شكواي ، أتتِ الشمس لتضرمَ النار بكلِّ ما يُعيقُ نمو أمنياتي،وبدأتْ بما هو فاسد بعد سماعها صلاتي،
فشرعتَ تبعثُ رياحكَ لتلتهمَ النار جميع أزهاري.
و ماكان من السماء إلا البكاء لحالتي،أما أنتَ أبيتَ الإستفادة من نِعَم السماء ، وحرّمتََ على الأرض ارتشافَ الماء.
ثم غَرقَتْ الأماني،وقررتُ أن أدفنَ حلمي، وأنكسَ قلمي وأروي لكم قصة زمن الوأد ، آخر ما سينطقه فمي...

من البدايةِ معاناة و أوجاعُ الغربة ؛ هي مأساةٌ لم أخضها أنا و الكثيرون.
هل سمعت عن شخص اشتاق إلى السجن ! ،إلى الميتم ، إلى مشفى المجانين ! حتى لو قضى بهم عشرات السنين .
لن نشعر بالحنين ، لمكان عشنا به ميتين.

هل سمعت عن أحد اشتاقَ لجلاده ؟ كنتُ كذلك قبل سنين..
لطالما تمنيتُ أن أجلسَ بين يديك،أشكو لك حزني، أن تحتضنني ولو متُّ بين ذراعيك.
أريدُ العودة إلى ذلك الوقت الذي كنتُ أحسبُ الأمان بين يديك.
وظننتُ أن الاختناق من فرط الحب واقع.
و أنك لن تستطيع العيش في حال ابتعدتْ.
كثيراً ما راودتني تلك الافكار.
هل ستواصل الطيران في غيابي الأطيار!
ماذا عن الأرض ؛ أستكمل الدروان؟
و دقاتُ الزمن ؛ حتماً ستعزف سيمفونية حزينةً في حال غبتْ.
إلى أن قصصتُ أجنحتي بيدي.
ونفيتُ فكرة السفر وقررتُ أن أهرول في أرضكَ
متأملاً أن تدفعني للأمام بنسيمك.
لكنك عاكستَ خطواتي بأعاصير شمالية عاتية .
فما عاد جسدي يستطيع التقدم ؛ ولا روحي تقوى على الاستقرار ؛ و كان مصيري بين يديك الانهيار .

كنتُ أفكرُ دائماً...ااااااه كم أحبك..
حتى لو لم تبادلني الحب بالمنفعة .
لكن..لطالما حسبتُ زقزقة العصافير إشارة منك كي أصحو و أنفض الغبار عن أحلامي المركونة.وأستجمع عزيمتي.
..وظننتُ أزهار الربيع هدية الأمل منك لي وحدي.
.وعندما أزلتُ الغشاوةَ عن قلبي و حلَّتْ عليَّ لعنة الوعي.أدركتُ أن في لغتي ؛ زَقْزَقَ الطائرُ صغارَهُ ؛ أي حاول إطعامهم ، و استنبطتُ هذه النتيجة من معجم لسان العرب ، وما أصدقه من لسان وصف حالنا و أي حال وصلنا إليه ، فما هي إلا شكوى صباحيةً ككل رجلٍ لايعلم إلى أين يمضي وأي بابٍ يطرق وهو يفكرُ : من أين سآتي بالغذاء ، وهل أستطيع العودة هذا المساء .

أما الريح ؛ علمتُ كيف اغتصبتِ الأزهار.
ولم تحملْ بذورها حيث هي شاءتْ، بل جرفتْها وألقتْها بعيداً.
في مكان تنفستْ به الصُعداءَ ، كمن يُحاول أن يهيلَ على الغيوم السود في صدره هواءً نقياً ؛ دون جدوى.
كما يُكدَّس حملةُ الشهادات و عِلْمَهم جانباً ؛ تتقاذفهم الشَّرِكات .

رأيتُ العَجَبَ العُجاب منكَ، يَفقِد فيكَ كل شيء هويته.فلا المصباح يُنير ولا العِلم يَرفع ولا الشهادة تَنفع.
والأم فيكَ غير قادرةٍ على إطعام صغارها، ولا الأب يَتَمكنُ من شراءِ كسوةٍ لأبنائه.
ماذا أقول للجيل من بعدي! ، أنت في وطنٍ تنمو به ؛ عارٍ غير كاسٍ -جائعاً- والداك يكابدان مذ جئتَ لهذه الدنيا في صراعٍ مع القدر ولباسك وطعامك...

عاد عصر الوأد فيكَ،ولم يقتصر على البنات ، ولكن جميع الأطفال لا تستطيع أن تحيا.
وبات الكبار أيضاً يصارعون للبقاء،والشباب نسَوا الحب ؛ وأن يكونوا أرباب أُسرٍ، أما النساء فتخلتْ عن حلم الأمومة...
عاد زمن الوأد ؛ ولكن للبنات ،والأولاد ،والأحلام ،وعمر الصِبا . فحُذِفَ الصِبا من قواميسنا بكل ما حَمَلَهُ من شوق المُهاجر و زَهو الشباب .
حاولت أن أجْبُرَ كَسْرَه فتَبعثرَتْ حروفه برياحه الشرقية التي كان يعنيها .

قتلوكَ يا حلمي أيا ولدي 
 أيا كل ابتهالاتي .
أيا جُلَّ آهاتي ،
 قطعوا أنفاسَكَ بيديّ .
 وصرتُ القاتلَ الجاني. 
فأين حبل مشنقتي !
وأين كل حكامي !
 وما السبيل للعيشِ !.
 دعوني ؛ ألقاه وحتفي يلقاني .
 أيا طيفاً يعذبني ،
 وكلُّ الوهم أشقاني.
وما أردتُ القتلَ يوماً .
 لكن الفقرَ أعماني . 
لا تسامحني يا أمي .
 فإن الذنب أضناني.
 ادفنوه في صوامعكم ، كنائسكم ، مساجدكم ،
أما أنا ؛ دعوني تحرقني أشجاني ،
 للنار روحي ، و لتأكلِ الطير جثماني ،
لكني صدقاً طرقتُ أبواب أخواني ،
وجميعهم حللوا لي القتل باستخدام قرآني.
 أشهدكم أن موتي حياتي ؛ والحياة اندثاري.

كتبتُ هذه القصة عقِب إجهاض صديقتي أو بالأصح قتلها ابنها بعد أن نُفِختِ الروح فيه ؛ لأنها وزوجها وُعِدا بقدرٍ من المال سيُرسل لهما، وتم التخلي عنهما ( "إذا لم يكن باستطاعتكم ما شأننا نحن لنقطع عن أفواه أطفالنا من أجلكم" )
وعَلِمَا أنهما لن يقدرا على تحمل مصاريف الطفل ، وكان القتل نصيبَه قبل أن يعلم معنى الحياة ، وتم دفن المضغة ذاتُ الروحِ في حديقة المنزل.

وإلى الآن صديقتي لا تزال ترى حُلمًا فيه طِفلةٌ شقراءٌ بثيابٍ بيضاءَ تُرمى من نافذة سيارة تقودُها هي و زوجها .
ولو عاش الجنين وكان طفلةً لسمتها صِبا.

روزان حجواني
حمص - سوريا
مواليد : ١٩٩٩
تخصص : هندسة مدنية عامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق