الأحد، 18 أكتوبر 2020

الكاتب ابراهيم عبد الكريم يكتب . .. حينما يحزن العصفور ..قصة

حينما يحزن العصفور
الكاتب : ابراهيم عبد الكريم /فرنسا

كلما نظر الأستاذ هشام في اتجاه  التلميذة سلمى زاده مظهرها المحزن انشغالا، كثيرا من الٲسئلة طرحت على   ذاكرته.  ماهو سبب  تعاستها؟ ماذا بوسعه فعله لتعود البسمة على شفتيها؟  لقد  أصبحت  شاحبة  الوجه، هزيلة الطبع  وكأنها لم تنم طيلة أسابيع عدة، انتبه لشرود ذهنها. تجلس على الطاولة  جامدة كالتمثال المنحوت، تتخلل نظراتها  ملامح الألم في صمت دائم وكأنها تعيش في عزلة أبدية بعيدة عن قاعة القسم التي تظم حوالي ثلاثين تلميذا، من حين لآخر،  وفي سرية تامة، يراقب  بعينيه كل خطوة من خطواتها  وهي  في وسط  مجموعة من اصدقائها وصديقاتها  للقيام بعمل جماعي في مادة العلوم الطبيعية. بلا شك تريد إثبات حضورها بالقسم  لكن في الحقيقة فكرها غائب.  ربما تحاول نسيان ما يشغل بالها لكن بعد ثواني محدودة   تحلق بفكرها خارج جدران القاعة. تبدو  وكأنها  وحدانية التفكير،  كانت حاضرة غائبة.
 في البداية حاول الأستاذ  هشام تفادي نظراتها  اليائسة، ظنا  منه انها لحظة  عابرة، ربما تكون نتيجة مشاكل مع الأصدقاء أو الصديقات لأسباب ربما لها علاقة  بسن المراهقة أو  ربما لأسباب عائلية، إلا أنه تفاجئ بتكرار نفس الصورة اليائسة الحزينة  طيلة  أيام الأسبوع الٲول ثم تلاه الأسبوع الثاني حين  تكررت  الصورة بنفس الوتيرة،  ازداد يأسها،  لا شيء يدعو للاطمئنان، سلمى  الفتاة التي لا يتعدى سنها الخامسة  عشرة من عمرها تعيش في عزلة تامة بملامح مخيفة تدعو للقلق. لابد من فعل شيء لمعرفة السبب لمساعدتها. عرف عن سلمى الاحترام ومجهودات لاباس بها لتحسين مستواها الدراسي،  تعمل بجد، تقدم كل ما في قدرتها  للنجاح في دراستها. لكن في الأيام الأخيرة أصبحت لاتقوم  بأي عمل  سواء داخل القاعة أو خارجها  على الرغم من حضورها اليومي بالقسم. أصبحت كالوردة التي تجف  من الداخل لانعدام السقي وقلة الأمطار  والاعتناء بها، ذبلت وإن لم  تروى  فسوف تضيع كليا.  قرر الأستاذ التدخل في محاولة معرفة السبب، ربما يكون عائليا، ربما تعاني من معاملة سيئة من طرف الزملاء والزميلات. أعطاها موعدا، مدعيا، مناقشة مستواها الدراسي،  على العلم أن الذي يهمه هي حالتها التي تدعو للقلق. لكن للأسف أن سلمى اعتذرت للكاتبة في آخر لحظة "لاعتبارات عائلية. كان لازم علي الرجوع  إلى المنزل للاعتناء بٲخي الأصغر لغياب كل من أبي وامي في عملهم" هذا ما صرحت به للكاتبة قبل أن تخرج من المؤسسة في اتجاه منزلهم.  
عادت الصورة أكثر تأزما، ومرة أخرى تعتذر عن الموعد الثاني الذي كان مقررا مع استاذها، لكن هذه المرة طلب الاستاذ من طبيبة المؤسسة استدعاء سلمى بطلب رسمي من الادارة.  هذه المرة استجابت للطلب، وجدت نفسها مجبرة لكي لا يصل الخبر إلى إذن والديها. دخلت المكتب وهي تسير ببطء، قدم وراء قدم، بعدها جلست  وقد ترقرقت الدموع في عينيها.  طلبت من الاستاذ التدخل ليتم اللقاء دون والديها، كل ما يهمها حسب اللقاء الأول هو كتم السر عن أبيها. 
كانت المفاجاة، سلمى، التلميذة  المراهقة، حامل،  توجد  في ورطة لم تكن السبب في وقوعها ولا تعرف مخرجا لها، تعرضت للاغتصاب بأحد الأحياء  حوالي الساعة العاشرة ليلا، حينما كانت في طريق العودة  إلى منزلهم  بعد حضورها عيد ميلاد صديقتها.  كتمت السر في صدرها خوفا من ردة فعل عائلتها اوما سمته بكلام الناس لا سيما وأن ما وقع لها جرت أحداثه بالليل. كانت خائفة  من أبيها. الرجل  الذي لا يترك فرصة تمر دون  الحديث عن سمعته وسمعة العائلة. حينما  يتحدث عن الفتاة في المجتمع يحملها كل المسؤولية عن ما يمكن أن يقع لها من مخاطر ، أما الأخ الأكبر فيعتمد على القوة في معاملاته داخل الاسرة.   كان جسدها يرتعش وهي تفضي بما في قلبها للطبيبة بصدق والدموع تملأ عينيها، فشت كل أسرارها دون تردد لكن في نفس الوقت خائفة من الحديث  لوالديها.  كتمت السر في انتظار ما تحمله الايام، صارحت الطبيبة بصوت خافت قائلة: " فكرت في مغادرة المنزل لٲي وجهة بعيدا عن مراى كل من اعرفه" هذا ما صرحت به التلميذة سلمى . كانت تعيش في رعب دائم دون انقطاع لمدة تزيد عن خمسة أسابيع.   الأكثر من هذا أنها تعرفت على مغتصبها  الذي يتجرأ  ويعترض طريقها من حين لآخر  لأنه يدرك أنها غير قادرة على إفشاء سرها لوالديها  والالتجاء إلى القضاء  ليحاكم قانونيا. في الٲخير قرر استدعاء والديها  لأخبار هم  بما وقع لها وحالتها  الصحية المتدهورة وفي نفس الوقت الاتصال بالشرطة لفتح تحقيق في الاغتصاب. في البداية أظهر والدها  تصلب العنيد بحيث حملها مسؤولية ماحصل. لكن بعد تدخل الطبيبة والأستاذ في محاولة لإقناعه  ببراءة  ابنته. لم يكن أحد قادر على انتشالها من دوامة التفكير في الاغتصاب الذي تعرضت له منذ خمسة أسابيع إلا والديها.   اخيرا تحقق هدف المتدخلين، فقرر متابعة الجاني قضائيا، فرجع الدم يكتسح الوجه الشاحب لسلمى، طافت عليها ابتسامة حذرة. إنها نهاية حزن وخوف دام أكثر من خمسة أسابيع التي كادت أن تسبب  نتائج  لا يحمد عقباها في حياة التلميذة  سلمى وهي  لا تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها كما تقرر  متابعة الغاصب قضائيا.  

فرنسا/16/10/2020 
إبراهيم عبد الكريم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق