قصة مستوحاة من واقع فيروس كورونا
كفى ظلما وقتلا يا كورونا.
في الوقت الذي كان فيه أفراد عائلة السيد ٲحمد، صغيرا وكبيرا، ملتفين حول المائدة لتناول فطور الصباح رن جرس الهاتف، نظر الجميع في اتجاه اخيهم البكر، علي، لعله ينهض من مكانه لمعرفة الجهة التي تتصل بهم في هذا التوقيت من الصباح. خيم الحذر، مرفوقا بالترقب من كل جنبات الغرفة ومن فيها. تضرج وجه الجدة العجوز وارتعش، توقفت عن الٲكل، سارت تحدق عن يمينها ويسارها بفم مفغور تفكر في جميع الاحتمالات التي يمكن أن تحملها الأخبار عبر الهاتف، الآلة المسخوطة التي أصبح يرتعش الجسد لسماع جرسها. بعد تردد استغرق ثواني معدودة، نهض الابن البكر، علي من مكانه بخطى بطيئة تعكس إحساسا بالخوف لما يمكن أن تحمله الاخبار عن أبيه من المستشفى، كان يردد قوله : الله يسمعنا اسمع الخير" ٲخذ الهاتف إلى أذنيه، تكلم صوت بنبرة تجوبها الحيرة وخيبة الأمل قائلا "السلام عليكم" توقف مهلة ثم أردف بقوله، "هنا مستشفى ابن سيناء". بمجرد سماع المستشفى انطلقت نبضات قلب علي بسرعة فائقة وكأنه يشارك في سباق العدو الريفي أو ما شابه ذلك من صور تخيف الذهن والكيان باكمله. بمستشفى ابن سيناء يرقد والده أحمد، منذ أن أثبتت التحاليل مرضه بفيروس كورونا 19. لقد أصيب بالمقهى الذي كان يقضي فيه وقته بجانب أصدقائه من قدماء رجال التعليم الذين عملوا بمختلف المؤسسات التعليمية، كانوا قد حافظوا على علاقاتهم حتى بعد التقاعد. قبل أسبوعين أصيبوا بالفيروس وهم الآن بالمستشفى للمعالجة لكن الأخبار كانت سيئة في آخر زيارة لأحمد من طرف ابنه علي على العلم أن الزيارات أصبحت محدودة لمرضى كورونا والمستشفيات كافة.
أخذ علي الهاتف وجسمه يرتعش من اعلى رأسه إلى اخمص قدميه، ترجل ليرد على مخاطبه لكن الارتعاش قد اصاب شفتيه ولسانه ليتحدث بصوت متهدج قائلا" وعليكم السلام، أردف قائلا:" أنا ابن احمد، علي، فيه خير ان شاء الله يا دكتور!" كان يتحدث وهو يفكر في نهاية المكالمة التي من المرجح أن تكون سيئة.
توقف الدكتور هنية ثم استمر في كلامه و بسرعة قائلا" عزائي لكم وللعائلة، لقد توفي والدكم في الصباح الباكر من هذا اليوم" تابع بقوله" قمنا بالمستحيل لكن أجله انتهى، لا اله الا الله، " ثم أغلق الهاتف.
في هذه الأثناء صرخ علي بصوت مرتفع قائلا " الله ٲكبر، أبي توفي" ٲردف قائلا " لا اله الا الله، لا حولة ولا قوة الا بالله العلي العظيم"، فجأة التفت العائلة من حوله، صغيرا وكبيرا، إلا أمه العجوز، التي لزمت مكانها وقد ترقرقت الدموع في عينيها رفعت رأسها الى السماء داعية لزوجها بالرحمة والمغفرة، قائلة" اللهم ارحمه ووسع عليه" ثم أضافت بصوت خافت" إلى الجنة بحول الله بجوار حبيبنا المصطفى." ختمت قولها بصوت يكاد أن لا يسمع " اللهم الحقني به في اقرب وقت، كان زوجا صادقا " بسماع هذا الدعاء، اشرأبت الأعناق نحو الجدة العجوز. لا أحد كان ينتظر هذه العبارات في حق الأب والجد. فعلا كان نعم الزوج، احبها الى اخر رمق في حياته. بعد ذلك رجع كل واحد إلى مكانه حول الطاولة لكن لا أحد يتم فطوره بل كل على واحد يفكر في المرحلة القادمة. الآن شيء آخر يشغل بالهم، الذهاب إلى المستشفى والقيام بالإجراءات الضرورية لدفن ٲحمد لا سيما وأن فيروس كورونا مازال ينتشر بوتيرة كبيرة أدت بحياة الآلاف من المواطنين. لا أحد يريد الذهاب لحضور الجنازة، كما أن الحكومة قررت تقليص عدد الأشخاص في كل جنازة. منهم من حاول تغطية خوفه بقرار الحكومة في تحديد عدد الأشخاص في دفن موتاهم، ومنهم من أعرب عن رفضه علانية خوفا على نفسه من الفيروس القاتل. في هذه الآونة نهضت الجدة، العجوز زوجة المرحوم، قائلة بصوت لا يترك سبيلا إلى الشك " حياة دامت أكثر من أربعين سنة، فلتذهب كورونا إلى الجحيم" أردفت قائلة" لا أحد يستطيع منعي من دفن زوجي، انا من سيحضر جنازته" كان صوتها صارما لا يترك مجالا للنقاش. لم يسبق لأفراد العائلة أن سمعوا صوت الجدة بهذه الطريقة
22/10/2020.
إبراهيم عبد الكريم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق