الأحد، 27 يونيو 2021

فرح ابو حليلو تكتب ... نص خارج عن النص

نَصٌّ خَارِجٌ عَن النَّص

يسقطُ الآن قلمي صريعَ العَنَتِ وقد أُغْمِي عليه من بعد إعياءٍ أصابَه، ويتفلَّتُ من بين أصابعي الثلاثة، التي ما أفلتَتْهُ إلَّا لتمسكَ بتلابيبِ فنجانِ قهوتي، فأرتشفُ الرشفةَ الأخيرةَ والأخيرةَ من كلِّ شيء، لا أعلمُ المعنى الخفيَّ خلف عبارةٍ اعتدتُ سماعَها “آخرُها أطيبُها"، ولكنِّي شعرتُها الآنَ…
أسندُ ظهري للخلفِ على كرسيِّ مكتبي، أتنفَّسُ ملءَ رئتَي، بعدَ طولِ ركضٍ ما بينَ السُّطورِ، وحوافِّ الهوامش،تعودُ إليّ روحي بعدَ سفرٍ طويلٍ في أزقَّةِ الخيالِ وطفولةِ الأبجديّة، وحبوٍ بينَ حافتيِّ الحياةِ والموت؛ حياةُ النَّصِ وموتُ الخاطرة، أستعيدُ خاطري الذي كان يتماهى خلفَ ظلالِ الحياة، يخاتِلُهَا، يسرقُ منها حياةً غيرَ تِلْكَ التي اعتادَ عيشَها، أزيحُ ستارةَ اللاوعي عن عينينِ مُثقَلَتَينِ طافتْ بينَ عيونِ القرَّاء، من حيثُ كانت تراهُم هي، ولا يَرَونَهَا هُم.
نحنُ الَّذينَ عاشتْنَا الدنيا كما تشتهيها هي، لا كما نشتهيها نحنُ.
نحنُ الَّذينَ عايشْنا القهرَ فانتَعَلْنَاهُ وَلَعَنَّاهُ، وشايعْنَا الصَّبرَ فافتَرَشنَاهُ وَرَشَفنَاهُ.
أمَّا أنا يا عزيزتي، فأنا واحدٌ من "نحنُ"، وزيدي على ذلكَ أكثرَ أنَّ الدنيا أتعبتني كثيرًا، فلم يَعُدْ فيها شيءٌ يُثيرُ شهيَّتي، بما فيها أنتِ، نعم أنتِ.
أعلمُ الآنَ أنَّ كلمةَ "أنتِ” باتَتْ تَنْخِرُكِ مِنَ الدَّاخلِ، وقد عَلِقَتْ بين لَهَاتِكِ وحَنجَرَتِكِ فَحَبَسَتْ معها أنفاسَكِ، وأنتِ تصغينَ لنداءاتِ قلبِكِ وتقولينَ في خاطرِكِ: “كَذَبْتَ”.
لا عليكِ حبيبتي، هي لحظةُ سخطٍ عابرةٍ، أعلمُ أنني سألومُ نفسي كثيرًا عليها بعدَ قليل، لحظةَ أن يحتاجَ أحدُنا الآخرَ، فلا يجِدُهُ ويُحرَمُ منه.
فبالرَّغمٓ من المسافاتِ التي نجحْنَا في طيِّها معًا مُتَعَالينَ على الواقع، لتُصْبِحَ مسافةَ نبضةٍ ونِصْف، وقد رَبَطْتِني إليكِ بسحرٍ لا يُفَك، حتى صِرتِ فيَّ، وصِرتُ فيكِ، إنها حالةٌ من الحلولِ بدأْتُ أشعرُ معها بوجودكِ في كلِّ مكانٍ حتَّى على رأسِ لسانِي عندما أتحدث، وباتَ كلانا يجري في الآخرِ مجرى الدّم، إلّا أنَّ ذلكَ كله سرعانَ ما يتلاشى مع الشعورِ الذي يعتريني ويكتسيني حينَ أنشدُ منكِ قُرْبًا ولا أَجِدُكِ قُبَالةَ نِشْدَاني، فأجملُ الغيومِ وأحلاها قد تكونُ فارغةً جافّة.
حبيبتي يا قَدَرِيَ الجميل، أعترفُ: “أنِّي أحبُكِ، وأنِّي موبوءٌ بِكِ، وأرفضُ الاستشفاءَ مِنْك"، أما الباقي فَتَعرِفِينَهُ أنتِ جيدًا، فليسَ ثمة مَنْ يَعرِفُني مثلُكِ أنتِ.

فرح شريف ابو حليلو

هناك تعليق واحد: